لأن الزواج شركة واحدة وحياة واحدة، فمن الطبيعي أن يكون كل من الزوج والزوجة شركاء في منظومة واحدة ، ولأن ذلك كذلك فإن ضغوط الحياة الصعبة والمتطلبات الاقتصادية قد تقتضي مشاركة الزوجة في مجال العمل، وليس خفياً على احد أن المرأة قد حققت في مجال العمل خطوات واسعة حتى إننا قد نجد أن بعض الزوجات يحظين بمكانة أعلى من أزواجهن فيما يشبه حال شادية في فيلم ‘’مراتي مدير عام’’ ولعل الواقع الآن يشهد نماذج كثيرة لحسين زوج المدير العام في الفيلم .
لكن لم تسأل نفسك عزيزي الزوج في يوم من الأيام؟ ماذا لو كنت مكان ‘’حسين’’ في يوم من الأيام؟ هل ستكون مشجعاً لزوجتك أم ستقتلك الغيرة من نجاحها وإنجازها وستصبح حجراً يعوق مستقبلها وتكون حجتك البيت والأولاد؟
لاشك أن الغيرة صفة طبيعية في النفس الإنسانية فالزوج يغير على زوجته والعكس صحيح، وفي هذه الحالة تشعر الزوجة بالفرحة والسعادة لهذه الغيرة وتجدها تعبيراً عن الحب. ولكن عندما يغير الزوج من نجاح زوجته يبقى التصور السائد لمعظم الأزواج أن وظيفة الزوجة الأولى والأساسية في الحياة هي أن تكون ربة منزل، وزوجة مسالمة مطيعة، ومئة خط أحمر تحت ‘’مــطيـــــعــــــــة’’، وكثيرون مازالوا يرددوا الدعوة الخبيثة التي تنادي بعودة المرأة إلى البيت لأنه من وجهة نظرهم هو ‘’مكانها الطبيعي’’ حتى لا تزاحم الرجل أو تتمرد عليه. ومع كل هذا القهر عندما يسأل أي رجل يقول بكل ثقة إن ‘’المرأة نصف المجتمع! ومن حقها ان تعمل ومن حقها ان تساهم في مسيرة النهضة في بلادها ومن حقها.. ومن حقها’’، ‘’لكن أهو كلام في الهوا’’ فعند تحقيق زوجته لبعض النجاحات في العمل اكبر منه وتتبوأ منصبا أعلى من منصبه، يخرج الصراع النفسي من حيز اللاشعور إلى حيز الشعور.
وينبه هذا الصراع في نفس الرجل مشاعر القلق والخوف والتوتر، وتساوره الشكوك وتتحرك الأنا في داخله، مهما حاول أن يخفي مظاهر الغيرة التي تملأ قلبه. ومن السائد في هذه الحالة وضع الزوجة أمام خيارين البيت أو العمل وكأن النجاح في العمل والتفوق يجعل الحياة الزوجية منهارة تماماً ‘’وكلها ادعاءات رجالية طبعاً. ولكن بالرغم من أن مقولة ‘’وراء كل رجل عظيم امرأة’’ أنصفت المرأة إلى حد ما، فإن العبارة التي باتت الأكثر شيوعا ‘’وراء كل امرأة عظيمة رجل.. يجرها إلى الخلف’’.
ولكن بإمكان الزوجة الذكية أن تجعل احساسه بالغيرة يتلاشى بحسن التصرف وعدم تقصيرها في حقوقه أو حقوق أبنائها، وتضييق الهوة بين الأب والأولاد، واذا عجزت فالوقت من الممكن أن يتكفل بذلك. وقد يـتــفهم الزوج ويـقبل أن يـكون الأولاد على مسافة أقـرب من الزوجة فهي في النهايـة، الأم ومدبرة المنزل والمشرفـة على كل صغيرة وكبيرة، أما أن تـتـوغل في ميدان كان حكراً عليـه على مدى قرون وتحقــق تفـوقـاً عليه أو على الأقـل تميزاً عنه فـهذا ما يـحـرك عمليـة التـوازن والاستقرار في الحياة الزوجية ويتجه بها في منعطفات متعددة الاتجاهات.
وقد تكون الغيرة من الزوج دافعاً إيجابياً للبعض لمضاعفة الجهد من أجل مساواتها فتتحول الغيرة إلى انجاز علمي أو مهني يوطّد صلات الزواج ويجعله مؤسسة في حال تطور دائم. لكن الغيرة من الزوجة لا تترجم دائماً مبادرات ايجابية بل غالباً ما تتخذ منحى مرضياً يتجسد عنفاً كلامياً أو حتى جسدياً خصوصاً اذا كان الزوج يشعر بأنه لم يحقق في عمله النجاح الذي يصبو اليه،
فبعض الأزواج يترجمون غيرتهم بالعنف الجسدي على الزوجة لأنه جد في قوته الجسدية تفوق على زوجته. ومن الناحية النفسية، فالرجل اعتاد منذ مئات السنين على أن يكون هو ‘’قائد الأسرة’’ يلحق به سائر أفرادها.
غير أن دخول المرأة ميدان الحياة العامة والعمل وتحقيق نجاحات متصاعدة أحدث تغييراً جوهرياً في هذا الواقع، فلم تعد الزوجة في المفهوم الحديث للحياة الزوجية، ذلك التابع بل أصبحت الشريكة في تأمين دخل الأسرة وفي قراراتها. لكن هذا التغيير لايزال حديث العهد، لم يتحول جزءاً من النسيج الفكري والقيمي للرجل، لذلك يشكل تفوّق الزوجة أو تميزها مقارنة به في أي حقل، كان تاريخياً جزءاً من مملكته الذكورية، فيقع الرجل في أزمة ثقة بنفسه وتعبير عن خوفه من فقدان دوره وموقع سلطته، وما الموقف العنيف الذي يبدر عنه أحياناً سواء بالكلام أم بالتصرف ليس إلا دفاعاً لا واعي عن النفس تجاه من يتراءى له أنها مصدر الخطر أي الزوجة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق